كيفية كتآبة الخآطرة | خاص لــ جريح الليل

بداية ماهي الكتابة ولماذا نكتب؟
سأبين أهمية الكتابة في مقدمة هذا الموضوع 


تتعدد الدوافع وراء اهتمام الأشخاص من مختلف الأعمار والخلفيات الثقافية 
بالكتابة؛ حيث إنّها تمثل أحد أهم وسائل التعبير عن المشاعر التي لا يستطيعون
البوح بها أمام الآخرين مباشرة، وتمثّل الكتابة بمختلف أشكالها أحد وسائل 
الحفاظ على ثبات الحالة النفسية، وتحفيز الإبداع وعمل العقل لدى ممارسيها، 
حتى إنّ العديد من مدارس العلاج النفسي تعتمد الكتابة كأحد أشكال العلاج. 

ومن الشائع في الدول الغربية وجود دفتر يوميّات أو خواطر شخصي يُدوّن فيه المرء 
الأفكار أو الأحداث التي تعرّض لها أثناء اليوم ومشاعره تجاهها.


الخاطرة 

هي إحدى أشكال الكتابة الأدبية التي مارسها العديد من الأدباء المشهورين 
حول العالم، وتقترب الخاطرة من القصة القصيرة من حيث البناء والأسلوب، كما يمكن 
أن يحدث امتزاج كبير بين شعر النثر المنتشر حديثاً والخاطرة، إلّا أنّ ما يميّز الخاطرة 
عن غيرها أنها تعبر عن ذات الكاتب فقط وتتعمّق في المشاعر والأفكار بخلاف الشعر 
والقصة اللذين يتناولان قضايا ومشكلات أكثر عمومية.

هي شلاّل الشعور الدافئ، ليست نظماً بارداً، بل هي ساخنة، صادقة، مجرّدة من 
التكلّف، وهي نثرٌ في الشكل، وشعر في الجوهر، غير محدّدة بوزنٍ موسيقي 
أو قافية، وهي فنّ أدبي متشابهة في مضمونها وأسلوب كتابتها مع القصّة 
القصيرة، والقصيدة النثريّة، والرسالة. 

الخاطرة المميّزة تحتاج في كتابتها إلى موهبةٍ عالية التركيز تترجم فيها 
الأحاسيس بإبداع حسّي، ومعانٍ عاطفية عميقة تعبّر عمّا يجول في خاطرنا، ليبقى
الإبداع أمنيةً يسعى إليها الجميع. 

فيقول الدكتور عزّ الدين إسماعيل في كتابه (الأدب وفنونه) عن فن الخاطرة: "وهذا النوع الأدبي يحتاج في الكاتب إلى الذكاء، وقوة الملاحظة، ويقظة الوجدان". 

و ذكر سيد قطب قي كتابه النقد الأدبي أصوله ومناهجه: " هناك نوعان من العمل الأدبي نطلق عليهما لفظ المقالة وهما يتشابهان 
في الظاهر ويختلفان في الحقيقة، فأحدهما انفعالية وهي الخاطرة والأخرى
تقريرية وهي المقالة، وتختلف الخاطرة عن المقالة من حيث الحجم بأن الخاطرة
مختصرة جداً وعباراتها قليلة لكنها مركزة."

ويكثر في الخاطرة عادة البلاغة والمحسنات البديعية و الأساليب الخبرية
والإنشائية وبعض الأساليب قد تحتوي على إيجاز أو إطناب أو حذف بل وربما
تتخللها بعض أساليب القصر و التوكيد .


تتقسم الخاطرة لــ ثلاثة أنوآع :
خاطرة قـصــيرة: تحتوي في الغالب على كلمات سهلة ومفهومة .
خاطرة متوسطة : وهي الأكثر جمالاً لوجود التماسك الفكري القوي وإنحصار المعنى .
خاطرة طــويلــة : كثرة المعاني فيها وكثرة المبالغة .

خطوات كتابة الخاطرة 

العنوان: إنّ ارتباط عنوان الخاطرة بموضوعها يعتبر من أساسيات نجاحها، فلا بدّ 
بأن يوحي العنوان بصلب الخاطرة. 
(بعض الكتاب يقوموا باختيار اسم الخاطرة بعد انتهاؤهم منها)
المقدمة : قد يسميها البعض المدخل، وهي تتسم بصغر حجمها وهي تكون 
نزعا من التقديم الأدبي للموضوع أي تتطلب اسلوبا جماليا و ليس عاديا رتيبا .

البداية: إنّ إثارة القارئ منذ اللحظة الأولى لقراءة الخاطرة تضمن لها النجاح 
في متابعته لها؛ فالإبهار في الخاطرة هو الأساس. 

التعمّق في صلب الموضوع: إنّ الاقتصار على كتابة الواقع كما هو في الخاطرة
يجعلها ضعيفةً، فلا بدّ من إخضاعها للخيال الخصب الذي يزيدها رونقاً وسحراً.

التنويه إلى بداية نهاية الخاطرة: إنّ عنصر التشويق الذي نغلّف الخاطرة فيه هو
سرّ الإبداع؛ بحيث نجعلها تغني مخيّلة القارئ ليجد الإجابة عن تساؤلاته في النهاية
بعيداً عن الغموض. 

النهاية: إنّ النصّ لا يكتمل، إلاّ بربط النهاية في البداية، لنلمس وحدة الإيقاع فيها
وتماسك النصّ. نصائح في كتابة الخاطرة المميّزة بعد انتقاء العنوان المناسب 
للخاطرة الذي يكون من صلب موضوعها، علينا اتباع ما يلي: 

تقسيم الخاطرة: بحيث تأخذ شكل فقرات متسلسلة تبدأ بالمقدّمة، ثمّ العرض، ثمّ 
العقدة، وأخيراً تكون الخاتمة. 

الهدف المحدّد: أن يكون للخاطرة هدفها المحدّد المرجو، فيكون واضحاً لا يشذّ 
عن أحداثها أو عن مفرداتها وحتى عن لغتها. 

ضمير الخطاب: يجب مراعاة لغة الخاطرة؛ بحيث تكون بضمير المتكلم إن أتت 
على لسان الكاتب، وتكون بضمير الغائب، إن أتت على لسان الغير. 

التباين بين السرد و الوصف : من الأمور التي يحبذها القراء في الخآطرة فكثرة 
السرد في الخاطرة تصيب القارىء بالملل وقد تخرج النص من الخاطرة الى القصة 
أو النثر حتى و اما كثرة الوصف فتدل على ان الكاتب غارق في الخيال 
ولا يلمس أرض الواقع .

تنوّع المواضيع: يجب التنويع في مواضيع كتابة الخاطرة، من اجتماعيّة، 
إلى رومانسية، إلى إنسانيّة، إلى وجدانية. 

عدم خلط الأجناس الأدبية: توخّي الخلط بين الخاطرة والشعر الحر، وتجنّب الجنوح 
نحو القصيدة النثرية في الخاطرة. 

استخدام الصور والتشبيهات المجازية: تجعل للخاطرة نكهةً محبّبة ورونقاً يزيدها جمالاً. 

أخطاء يجب تجنّبها عند كتابة الخاطرة 
التكرار: خير الكلام ما قلّ ودلّ، وكثرة التكرار واللف والدوران باستخدام الكلمات
ذاتها والمشاعر ذاتها، يضعف المعنى ويفقده متعة الإدهاش.

المماطلة: البلاغة تأتي من الإيجاز، والملل يأتي من الإطالة. 

لبس الكلمات والمعاني: الابتعاد عن الركاكة في الأسلوب، والكلمات الجزلة، واعتماد
البساطة في التراكيب، والسلاسة في المعاني. 

الكذب: فكن نفسك أنت، فالكذب ليس جميلاً لا تتجمّل به بغية استمالة المشاعر.

السرقة: لا بدّ من التنويه للاقتباس أو الجملة المأخوذة عن الغير، وإلاّ تعدّ سرقة
أدبية، والسرقة جرم، وإن كانت أدبيّة، تضعف النصّ وتشوّه مصداقية الكاتب.
والكلام المقتبس عادة ما يوضع بين " .... " .

لكل من يمتهن السرقة الأدبية نصيبك النفي خارج مملكتنآ جريح الليل
( إضافة للعامة : لكل من يمتهن السرقة الأدبية )
ستبني الشك الدائم حول ما تشاركه مع الآخرين، وقد لا يعرف عن قلمك
أنه صادق و أمين، كما وأنها ستؤثر على شخصيتك وأسلوب كتابتك بشكل
سلبي، وسينفر من حولك الجميع بل وإن ما تكتبه سيمتلئ بالعيوب والركاكة
 وضعف البنية ومفتقر للجمال والهيبة ، فأنت بيديك طمست ذاتك
وشخصيتك بسرقتك و تشبهك بشخصيات الآخرين. 

تشتيت التركيز: فإنّ جمع مواضيع عدّة في خاطرة واحدة، تشتّت تركيز القارئ وتفقد
الخاطرة وحدتها وثباتها. 

الخفر والحياء: إنّ حريّة الأدب لا تكون بقلّته، فلا تحمّل النصّ ألفاظاً مبتذلة 
سوقية، وإيحاءات دونيّة، بحجّة حريّة التعبير والأدب. 

عدم سلامة اللّغة: عليك إخضاع الخاطرة لقراءاتٍ عدّة قبل نشرها، لتصويبها 
لغوياً وتدقيقها بشكل كامل خشية سقوط بعد الأخطاء سهواً، سواءً قواعدية
أو إملائية وحتى مطبعية. 

عدم التوغّل والإغراق في الخيال: فيجد القارئ أنّ الكاتب لا يلمس أرض الواقع، بل 
يعيش في خيالٍ غريب عنه. وأخيراً، من شروط نجاح كتابة الخاطرة، هو التميّز، ولا يكون
التميّز موجوداً إلاّ بالوضوح والإثارة والدهشة، فكم من خواطرَ كُتبت بأقلامٍ عدّة، إلاّ أنّها 
سقطت من الذاكرة لأنها لم تبلغ التميّز.

صفات الخاطرة

1- أنها ذهنية عارضة تحتاج إلى ذكاء ويقظة .
2- يغلب عليها الجانب الوجداني على الجانب الفكري بالإحساس الصادق والعواطف الجياشة. 
3- ليس لها مجال أو موضوع محدد . 
4- لا تحتاج إلى أدلة وبراهين عقلية أو نقلية . 
5- أنها تلائم العصر الذي نعيش فيه . 
6- سهولة التوجيه والفهم إلى مختلف النزعات والميول و الثقافات . 
7- لاتلتزم الخاطرة بأسلوب معين : فقد يكون الكاتب جاداً وموضوعـيًا ، وقد يكون ساخراً متهكـماً . 
وكثير من الناس يعتقد أن الخاطرة وثيقة تحمل بين طياتها الحزن والكآبة والألم 
وهذا غير صحيح ، بل هي مساحة واسعة للخاطر والمشاعر الصادقة من فرح و حزن 
و حـب وشوق و فخر و عزة ...الخ.


متى تكتب الخاطرة؟
تكتب الخاطرة : عندما يتعرض الإنسان لموقف عاطفي ؛ فتتحرك أحاسيسه ، ويبقى
هاجس الموقف يلهب خياله ، فيكتب أحاسيسه تجاه الموقف . 
تكتب الخاطرة : معظم الأحيان عند حدوث الموقف ، وقد تكتب بعد فترة عندما 
تستيقظ أحاسيس القلب نظرا لإثارة مشابهة أو موقف مشابه يمر به الكاتب .

نصيحة قبل كتآبة الخآطرة 
أن تأنس في نفسك الملكة الأدبية ، وهي موهبة من الله يختص بها من يشاء 
من عباده ، وحاول توفير جو من الهدوء حولك ؛ لأنك حينها ستستحضر أفكارك 
بطريقة أفضل كما يجب عليك أن تملك وتجمع علماً ، وثقافة عامة ، وخبرة ، وتجربة
حول الموضوع الذي خطرت لك الكتابة فيه ، واعلم أن القوة الأدبية البارعة تختلف 
بين الكتَّاب اختلافاً نسبياً كلٍّ حسب تحصيله وقراءته في مجال الفن الأدبي ، لذا اقرأ 
للذين يكتبون نتيجة ضغط نفسي شديد ، إذ الكتابة نوع من أنواع التفريغ والارتياح 
عند كثير من المنتسبين للأدب خاصة عندما يتمكنون من آلته وأدواته وأساليبه .

مدة الخاطرة الأدبية تتراوح ما بين 5 إلى 10 دقائق كقراءةٍ متأنية عند إلقائها ، والحد الأقصى 
من 10 إلى 15 دقيقة وهي عادة أقصر قليلاً من المقالة الأدبية ، وما دون ذلك 
يطلق عليه اليوم : نبضات الخاطر أو خلجات الخاطر أو غير ذلك من التسميات 
المتعددة والتي توحي بقصر الخاطرة عن ما دون الخمس دقائق .

متى تكون الخواطر ترف فكري ؟

في العادة تأتي الخواطر نتيجة الضغط النفسي الشديد لكن هناك من يجيد كتابتها
دون ذلك ، هنا تصبح الخاطرة نوعاً من الترف الفكري (مبتذلة)؛ فتتسم بالطول 
وتعدد المعاني وتشعب الأفكار فتصبح بذلك أقرب إلى المقال منها إلى الخاطرة .

لكتابة الخاطرة في نسق أدبي صحيح علينا مراعاة ما يأتي

- الرمـوز هناك العديد من الرموز التي تعطي النص ( الخاطرة) المتانة والقوة 
منه على سبيل المثال لا على سبيل ما يلي :
الفراشـة/ هي رمز الحلم أينما وجدت ... مثال ذلك فراشات تحترق أي أحلام تحترق . 
الحمامـة / باعتبارها رمز السلام إلا أنها تأتي رمزاً للمرأة الجميلة النقية 
مثال ذلك قول الشاعر النبطي : 
"وأنا شاقني بالحيل منظر حمام شهار *** صلاة العصر يوم انحدر باسفل الوادي "
هنا استخدم الشاعر الحمام في الجمع للدلالة على مجموعة من الفتيات . 
الزهـور/ تختلف الزهور في الاسقاط الوظيفي داخل الخاطرة باختلاف الألوان 
التي تتسم بها , فهناك الأحمر دليل للحب والأصفر دليل على الغيرة 
والأبيض دليل النقاء أو الشفاء من المحن والأمراض .

- الإسـقاط الفني هو إنزال مجموعة الرموز داخل النص لتعطي الدلالة على أشياء من الواقع من الصعب
على القارئ العادي تفسيرها إن لم يكن يعرف دلالة الرمز من الأساس ولكي نفهم
النص يجب أن نعرف الرمز والدلالة ومن ثم حذف الرمز وإسقاط الدالة بمكانه وهنا
سوف يكون المعنى غاية في الوضوح التام .

- التنقـيط هناك من يستخدم النقطتين التابعتين لنهاية الجملة وهناك من يستخدم ثلاث 
نقاط أيضاً في نهاية الجملة وفي كلتا الحالتين هي تجاوز المعنى القريب 
إلى المعنى البعيد لكلام محذوف , فوجوده يعيق الوزن ويخلخل الموسيقي 
للجملة والعكس .

- انتقاء الكلـمات في السابق تحدثنا أن الخاطرة تكون قوية إذا اتسم صاحبها بقوة أدبية بارعة ؛ تعكس
قوة القراءة وتخزين المفردات الكلامية لديه ؛ لذا الحرص على انتقاء الكلمات القوية 
ذات الدلالة التصويرية شيء مهم ومطلوب لكي تكون الخاطرة أكثر تعبيراً وليس أكثر 
جمالاً لأن الجمال يأتي بطبيعة الحال بعد قوة التعبير و التصوير و ليس قبل ذلك .

-الخلـط الفكري يكثر الخلط بين أنواع كثيرة من الأدب مثل الرسائل ، والمقال ، والخاطرة ، والقصيدة 
(من فئة التفعيلة) أو النثرية ، وبين القصة ، والرواية والخلط في العادة يأخذ مسمى
فصيلة غير الفصيلة المطروحة وهنا قد لا يستطيع القارئ العادي أن يفسر الاختلاف
الأدبي مالم يكن ملماً بكل تفاصيل وخصائص الأنواع الأدبية المختلفة. وقد نجد 
من يكتب بعض القصص القصيرة على أنها خاطـرة والعكس بالمثل في بقية 
الفصائل الأدبية الأخرى . 

- الشكل التعبيري (التصوير الفني)
 تلبس الخواطر في الغالب ثوب الحزن أو العشق أو الفرح وهذا ما يجعل القارئ 
يتفاعل معها بشكل عاطفي خاصة إذا كانت ذات كلمات قوية ومعبرة وحزينة أو فرحة .

وأحبُّ أن أفرِّق بين مصطلحين، (السجع، القافية)، فكثيراً ما يدَّعي البعض أنَّهُ لم يتعمَّد 
القافية، وأنَّ القافية هي التي تتداعى من تلقاءِ نفسها، وهذا كلام لا يصح، وإن أمعنَّا 
بسؤالهِ، نجده يدَّعي أنَّ ما يكتبه لا يمثل قافية وإنَّما سجعاً، والحقيقة، أنَّ السجع 
هو: توافق الفاصلتين أو الفواصل في الحرفِ الأخير. أما القافية هي: المقاطع الصوتية 
التي تكون في أواخر أبيات القصيدة، أي المقاطع التي يلزم تكرار نوعها في كلِّ بيت.
والفاصلة في النثر، كالقافية في الشِّعر، وموطن السجع النثر، وموطن القافية هو الشعر الموزون.


أتمنى أن يكون الموضوع ملم بكافة جوانب الخاطرة 
و أن يكون هذا المتصفح ذا منفعة وفائدة للرواد 
والله ولي التوفيق .

وقوافل الشكر و التقدير مهداة لكم 
إجلال عميق

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السبيل لإتقان الكتابة باللغة العربية الفصحى | حصري لـــ جريح الليل

مـــقـــآل : البطالة / بقلمي | جصري لجريح الليل

يكفيك صمت السنين