أبناء آدم | حصري : خــآص لــ جريح الليل

أبناء آدم

يبدأ آدم كل صبآح له بإيقاظ زوجته و أبناؤه الثلاثة لتقوم بتجهيزهم وإعداد وجبة الفطور
لهم وقبل خروجهم من المنزل تقوم بتنبيه سعد على أخويه وتكرر على سعيد جمل التحذير
من إفتعال أي مشكلة هذا اليوم وبينما مسعود ذلك النعوس الذي لا يكتفي من النوم
صباحا لكثرة تأخره في النوم ومشاغبته ليلا، وآدم خارج من المنزل برفقة أبناؤه متجها إلى
عمله وموصلا إياهم إلى المدرسة .

بينما زوجته حورية تعود لتكمل نومها بجاور إبنها أسعد ذو العام الواحد ، متأملتة أن يمضي
هذا اليوم بخير و أن ما بقلبها من هواجيس ليس إلا وسواس لعين جثم على قلبها ، حاولت
النوم ولكن بلا جدوى ، فبدأت تمضي وقتها بهوايتها المفضلة، بينما هي منشغلة لم تدرك
كم أصبحت الساعة إلا على صوت بكاء أسعد فأيقنت أن الساعة الآن هي العاشرة ، وفي
هذا الوقت إجتمع الأخوة الثلاثة ليتقاسموا الأكل في الفسحة وليتشاطروا ما حدث لهم
محولين كل ما جرى إلى جو فكاهي مليء بالضحك و السخرية فسعيد أخبرهم بما ناله جزاء
نسيانه حل واجب العلوم ، و سعد أخبر أخوته بأن الإختبار كان صعبا ولا يعتقد بأنه سيحصل
حتى على درجة النجاح ، بينما مسعود ذلك الطفل الذي لا يرى استاذه الا وحشا فهو يلقبه
بالديناصور لكثرة صراخ استاذه على زملاءه في الصف ، و اتفق الأخوة في نهاية الفسحة
على عدم إخبار والدتهم بما جرى حتى لا يتسبب الواشي بعقوبة على أحدهم وهدد سعد
أخوته بأن من يخبر والدته عن إختباره فهو سيخبرها بكل ما حدث معهم اليوم وليكون
العقاب على الجميع ، ثم إنصرف كل منهم إلى صفه الدراسي .

ومع إقتراب وقت عودة الأبناء الى المنزل يزداد الخوف في قلب الأم وكأنها تترقب نبأ لآ
يمكنها إدراكه ، تنتظر بصبر عودة زوجها آدم وأبناؤه ليطمئن داخلها ولتتيقن بأن ما تشعر
به اليوم وسواس لا أساس له أبدا ، ومضى الوقت و تأخر آدم عن موعد عودته لربع ساعة لم
تحتمل الجلوس وذلك الإحساس بدأ يقضم بداخلها كادت توشك على الإتصال بزوجها إلا أن
سعدا دخل المنزل راكضا منقطع الأنفاس ويحاول قول شيء ما لوالدته لكنها لم تستوعب
الا اسم سعيد بين كل الكلمات التي قالها لها فطلبت منه ان يجلس ويهدأ لدقيقة واحدة
ويتنفس بشكل طبيعي فهي لا تريد ان تحل مصيبة أخرى على رأسها فابنها سعد فتى
مصاب بأحد أمراض القلب ، ثم سألته الأم بهدوء : سعد ما به سعيد ؟
وهنا دخل مسعود و والده الى المنزل وأجابها زوجها : إنتظرته ولكنه لم يخرج من بوابة
المدرسة حتى إنني سألت المدرسين و حارس البوابة أخبروني بأن المدرسة ليس بها أي
طفل بالداخل و اصررت على الدخول لربما كان في صفه ومقفلا عليه ولكني لم أجده قررت
العودة للبحث عنه بالساحة و أخبرني أحد زملاءه بالصف بأنه رآه خارجا مع صديقه نبيل ، وقد
كان يقول بأنه يريد الذهاب للحديقة و اللعب هناك حتى المساء ، أصابتها الدهشة من فعل
إبنها سعيد بل ومن برود زوجها وعودته دون ابنه ، فأخبرته بأنها ذاهبة لإحضاره ولن تعود
قبل إيجاده وضربه لهذا السلوك الجديد الذي لا تعلم من أين خرج به ليفعله .
خرجت حورية وزوجها للبحث عن سعيد مؤمنة أسعد ومسعود لدى جدتهم و أخيهم سعد ،
بحثوا عنه في الحديقة و في الدكان وعند بائعي الذرة ، الفوشار ، و البطاطا المقلية ،بل
وحتى بالقرب من المنزل عند الساحل لحبه لإصطياد القواقع و سلطان البحر ولكن دون جدوى ،
كادت أن تفقد أعصابها من شدة خوفها عليه خاطبت زوجها : ماذا لو إنتكست حالته الصحية
و لا أعلم أين هو الآن ؟ هو مريض بالسكلر فكيف له فعل هذا الأمر من دون تشجيع صديقه ؟
أعلم بأنه طفل حركي ولكن ليس إلى درجة الهروب من بعد المدرسة ! تنفست الصعداء ثم
أردفت تقول لزوجها : أريد العودة الى المنزل فالساعة قاربت الرابعة ولدي ما أود سؤال
ابنائي عنه ولكن لدي طلب أطلبه منك جِدّ لي إبني قبل أن يحدث له شيء .
عادت هي للمنزل وخرج زوجها باحثا عن ابنه في شوارع القرية ، ولم تكن إلا دقائق حتى ظن
أنه لمح طيف إبنه بالقرب من أحد المنازل فإنتظر ليتبين له إن كان هو أو لا ، وما أن دار
الطفل رأسه ناحية السيارة حتى أيقن بأنه طفله سعيد فذهب معاتبا إياه على تصرفه
السيء الذي كاد أن يوقع قلب والدته من شدة خوفها عليه وأخذه معه للمنزل بينما سعيد
من شدة خوفه كعادته ظل يحدث والده عما فعله وكيف قضى وقته مع صديقه نبيل ليلين
قلب والده عليه و بالتالي يمنع معاقبته ، ولكن هيهات فوالدتهم في البيت كانت توجه
الأسئلة لكل من سعد ومسعود على اهمالهم لدروسهم وتدني درجاتهم رغم ما تبذله
معهم من جهد كبير و النتيجة تسوء في كل اسبوع فقررت معاقبتهم جميعا غير أنها لا
زالت لا تعلم بما حدث اثناء الدوام المدرسي لهذا اليوم فهي تلقت اتصالا من اساتذتهم
حول وضعهم الدراسي المتدني فقط .
عاد سعيد و استقبلته والدته بحب كما انها حذرته من تكرار هذا الفعل و قالت له بلهجة
حادة ستنال جزاؤك على هروبك من بعد الدوام المدرسي ، ذهب سعيد لغرفته فهو يريد أن
يكمل اللعب ولكن لم يجد جهازه اللوحي بمكانه وساورته الشكوك بأن أحد أخوته قد أفشى
أمره لوالدته و من غير أن يتأكد ذهب لوالدته و أخبرها بكل ما جرى وطلب جهازه اللوحي
ولكنها رفضت بل وصادرت أجهزة إخوته وجهاز psp3 وقالت موجهة الكلام للجميع: العقاب
مستمر الى نهاية هذا الفصل الدراسي عدا أيام إجازة الإسبوع لربما أسمح لكل واحد منكم
بساعة واحدة فقط باللعب عليه ، بكى سعيد و ترجى والدته : أمي إسمحي لي باللعب عليه
أريد جهازيّ اللوحي ، أريده يا أمي و إلا لن أقوم بكتابة الواجبات ولن أدرس بل إنني لن
أذهب للمدرسة غدا .
فأجابته بعصبية : ستدرس لتحصل عليه أو سيستمر عقابك أكثر من إخوتك ولن تراه حتى في
إجازة الإسبوع .
سعد لم يعجبه تصرف أخيه وهو الذي تسبب بتشديد العقاب عليه وخسر حتى جهاز psp3
ولم يعد له ما يستطيع اللعب به وما إن غادرت الأم الغرفة لبكاء أسعد حتى هب سعد ضاربا
سعيد لوشايته بهم ، فخاطبت زوجها : قم لأبناؤك فقد أنهكوني لا أريد أن أضربهم جميعا
الآن .
آدم يحاول كبح لجام غضبه فتصرفات سعد تزداد سوءا مع إخوته فصرخ فيهم وأسكتهم
وطلب من كل واحد منهم الدراسة و بعد ساعة سيقوم بنفسه بسؤالهم فيما درسوه و من
لا يجيب على الأسئلة فله عقاب من نوع آخر .

وفي المساء ذهبت حورية لجارتها حنان وشكت لها حال أبنائها وخوفها من عدم إحتواء
الوضع الذي وصلوا له من كثرة الدلال و المسايرة ، بل و أخبرتها بما جرى وماذا فعل سعيد
وكيف أنه أقلقها و أتعبها .

حورية : حنان أنت مسؤولة في وزارة التربية عن قسم رياض الأطفال و اعتقد بأن لمشكلتي
هذه حل لديك فأنت سبق و واجهتك شكاوٍ مثل ما حدث لي ، ساعديني و سأكون لك
شاكرة .
حنان : ما فعلته من عقاب هو شرارة بداية جيدة للتغير ، نصيحتي لك نضمي لهم الوقت
وافرضي عليهم قرارك و كوني بين الشدة واللين عند افتعال المشاكل ، ابنك سعد طفل
مريض وصحته تكمن في بعده عن العصبية وافتعال المشاكل ، ومن جهة أخرى هو كبير
أخوته لماذا لا تتركي والده يقوم بتدريسه هو ومسعود ؟ برأيي سيتحسن أداءه و حتى
تركيزه في المذاكرة سيكون أكثر فأنت تلاحظين كثرة تشتيت إنتباهه معك باللعب و القفز
و المشاكسة مع إخوته ، أنت إكتفي بالإهتمام بسعيد و أسعد طيلة العصر .

عادت حورية الى المنزل أخذت مشورة زوجها و وافقها بتقديم المساعدة لها ليتحسن أداء
إبناءه ويعودوا متفوقين كما كانوا قبل شراء هذه الأجهزة لهم ، وبعد أيام إتبع آدم ما قالته
الجارة حنان وحصد ثمار هذه النصيحة بنجاح أبناءه و إرتفاع معدلهم الدراسي ، أيقن أنه لو
إتبع هذه النصائح مع بداية الفصل الدراسي القادم سيلحظ تطورا كبيرا في مستواهم
الدراسي و سيحاول دوما اتباع السبل الجيدة لتقليل المشاكل في المنزل .

بقلم سماء الآلام 
كبرى عباس الأغتم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السبيل لإتقان الكتابة باللغة العربية الفصحى | حصري لـــ جريح الليل

مـــقـــآل : البطالة / بقلمي | جصري لجريح الليل

يكفيك صمت السنين